• 2020-08-26

كمامة الدكتور محمد العوضي

في برنامجه الرمضاني "بدون كمامة" ينزع الدكتور محمد العوضي كمامته ليطرح قضايا عديدة ومواقف شائكة وظواهر مختلفة بصراحة وواقع، ففي الحلقة الثانية بعنوان "العابدون اللاعبون" يتحدث الدكتور عن أولئك الذين صيّروا العبادات إلى طقوس، فقد أدوا الفروض، صاموا وصلّوا وتصدقّوا وحجّوا لكنهم ارتشوا ومنّوا وآذوا وشتموا؛ وذلك لأنهم فصلوا العبادة عن آثارها مما حال دون تأثيرها الحسن عليهم في حياتهم الاجتماعية على وجه الخصوص.
وبقدر ما يبدو هذا الموضوع مكررًا ألا وهو فصل الدين عن الحياة، إلا أنه من الجلي أنه لا زال يُمارس بل ويُمعن في ممارسته، يذكر الدكتور بأن هذا الانفصال يأتي على ثلاث مراحل، أولًا انفصال العبادات عن الأعمال والذي ينعكس على إخلال المرء بوظيفته، فتراه يواظب على صلوات الجماعة في المسجد إلا أنه مجسّد لمعنى التقصير في الوظيفة، فلا يلتزم بوقت الحضور والانصراف ولا يؤدي مهامه بالحد الأدنى المطلوب منه ويقضي جلّ وقته في التنقل بين المكاتب وتجاذب أطراف الحديث مع زملائه، على الرغم بأنه في القرآن الكريم وحده ذُكر "الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ " في أكثر من خمسين موضعًا في دلالة واضحة على أن العمل الصالح مُلحق بالإيمان التام، لا مجال للفصل بينهم في أي حال من الأحوال.
ثانيًا: انفصال العبادات عن الأخلاق، والذي نلمسه في جوانب عديدة للأسف مثل إلحاق الأذى بالجيران والاعتداء على حق الطريق وقذف الناس بالكلمات الجارحة دون أدنى مراعاة لمشاعرهم وقد أولى ديننا الحنيف أهمية عظمى إلى اللباقة في الحديث ولين الجانب مع الآخرين فالله تعالى في محكم كتابه يقول: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّه لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فضًا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ". ويقول رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى".
أخيرًا فصل العبادات عن الترفيه، بمعنى أن يقوم الفرد بجبّ ما قام به من عبادات طوال اليوم بالترويح عن نفسه بما لا يرضي الله عز وجل، مع ضرورة التأكيد بأن الإسلام فيه من السعة ما يعين الفرد على الترفيه والراحة بما لا يتعارض مع تعاليمه، وكما قال أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله عليه: "الإسلام لا يعارض العلم الصحيح، ولا الفن النافع ولا الحضارة الخيِّرة، وأنه دين سهل رحب مرن، ليس بالدين الضيق الجامد المحرج".
ختامًا، ومع أن الحديث مكرر إلا أنه وجب التأكيد بأن الإسلام يوفر منظومة كاملة شاملة ضابطة للسلوك ومغذية للأخلاق ومحددة للمشاعر لا ثغرة فيها ولا شائبة، هذه المنظومة تمكن الفرد من أداء عباداته ومن لمس أثرها المباشر عليه في جميع مناحي حياته إذا ما أداها بالطريقة الصحيحة واستشعرها في قلبه وربطها بحياته بإخلاص وصدق ومحبة حتى يلقى الله تعالى في آخرته بالوجه الذي يرضيه عنه.
بالمناسبة، أنصح بمتابعة برنامج "بدون كمامة" للدكتور محمد العوضي على "اليوتيوب" فهو خفيف للغاية لا تتعدى مدة الحلقة الواحدة فيه الخمس دقائق، بإمكانك الاستماع إليه أثناء قيادتك للسيارة أو عند ممارستك للتمارين الرياضية أو عند قيامك بالأعمال المنزلية أو كما أفعل أنا عند غسيل الصحون ـ المهمة التي تتكاثر كلما قمت بأدائها-.